الإمام الطيب والقول الطيب
(7)
فى هذا الجو الملبد المضطرب والتناقض فكريًّا وعقديًّا، الذى يتزعمه النقيضان: المعتزلة وغلاة الحنابلة، ولد الأشعرى ونشأ، ومن اللافت أنه درس الاعتزال ثم صار أحد أعمدته الكبرى.
بيد أنه ألمّت به أزمة فكرية حادة مما يعترض النخبة العليا، أحيانًا، فيعملون النظر والاجتهاد حتى يستقر بهم الرأى على وجه الحق والصواب.
وأغلب الظن، فيما يرى الإمام الطيب، أن التطاحن بين الفرق الذى لمسه الأشعرى من حوله، دفع به إلى العزلة بحثًا عن الحقيقة فى الإسلام، أعانه على عمق النظر أنه لم يكن أستاذًا فى علوم العقيدة فقط، بل كان مؤرخًا من الطراز الأول للعقائد ولمقالات الإسلاميين، وقد مكنه ذلك من وضع يده على مواطن الضعف والقوة فى كل فرقة من الفرق المتطاحنة، وقد جمعها فى مؤلفه الجامع: «مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين».
يحسب لهذا المرجع الكبير، نزعة التصالح والسماحة، وكراهة الشقاق حول أمور تسع الجميع.
بنزعة التصالح لم يقبل مذهب الأشعرى تكفير أحد من المسلمين، وظل نقده مهما كان لاذعًا نقدًا علميًّا يلتزم بعدم تكفير أحد من المعتزلة والحنابلة.
لم يتوان عن بيان أن كلاًّ من المذهبين لا يعبر عن الإسلام تعبيرًا كاملاً، ومن ثم لا يلقيا قبولاً عند جماهير المسلمين.
وشكل الإمام الأشعرى ومعاصره الإمام أبو منصور الماتريدى المتوفى سنة 333 هـ ــ شكلا معًا فى بلاد ما وراء النهر، جناحى أهل السنة والجماعة.
بداهة لايُننتظر من الإمام الطيب ــ كما قال ــ أن يبسط فى هذا الحيز تفاصيل المذهب الأشعرى ولو على سبيل الإجمال، ولا ما كشفه من نقاط الضعف عند المعتزلة والحنابلة، ومع ذلك فإن الأزهر يرجو من المسلمين عبر هذا المؤتمر:
أولاً: نشر التراث الوسطى وإذاعته بين الناس، لتقف به الأمة ضد نزعات التكفير والتفسيق والتبديع، تلك الخلافيات التى تكاد تقضى على وحدة الأمة الإسلامية وقوتها.
والمذهب الأشعرى هو الأجدر بالنهوض بهذا الدور.
ثانيا: احترام التوازن فى الجمع بين العقل والنقل، وإنهاء الخصومة المصطنعة بينهما. ولعلَّ هذا هو سبب إحتضان الأزهر هذا المذهب منذ القدم، وتمكن بتعويله عليه فى العقائد، والتفسير، والحديث، وأصول الفقه، وعلوم اللغة ــ تمكن بعد طبعه بطابع الوسطية والاعتدال، من قيادة الأمة الإسلامية فى الطريق الوسطى.
ثالثًا: اصلاح هرم الأولويات المقلوب، وإعادته إلى وضعه الصحيح، وذلك بالتركيز على جوهر الدين، وعلى المتفق عليه بين المسلمين، ثم على المشترك بين المسلمين وغير المسلمين من المؤمنين بالأديان الأخرى. احتكامًا لقول الله تعالى: «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» ( الممتحنة 8، 9).
وأخيرًا فإن الأزهر ــ بتاريخه العريق فى الحفاظ على الإسلام، يعلن للجميع أن أهم الدروس التى يُمكن إستخدامها من السياق العام لفكر الإمام الأشعرى، ضرورة العمل على نشر الأمن والسلام بين الناس جميعًا، ونبذ كل صور العنف وكل ما يروع الأبرياء الآمنين، ورفض ما يرتكبه بعض المنتسبين إلى الإسلام من جرائم الإهلاك والتدمير والتفجير والترويع، وقتل الأبرياء.
وفى ذات الوقت يطالب الأزهر دول أوربا وأمريكا بضرورة توخى العدل، والتوقف عن الازدواجية والكيل بمكيالين، وأن يلتزموا الجدية والمسئولية والإنصاف فى قضية القضايا: تقنية الشعب الفلسطينى المشرد المعذب المظلوم.
www. ragai2009.com