Find Out More

Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

خواطر مواطن مهموم (193)

خواطر مواطن مهموم (193)
توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

7:14 ص, الأحد, 4 يونيو 23

المشروعات المصرية

لست متأكدًا من أننى أعرف الواقع المصرى الحالى معرفة دقيقة، ولكننى أتصور أننى أعرف تاريخ بلدى الحديث، وخصصت أكثر من ثلاثين سنة من عمرى لدراسة بعض القوى السياسية وبعض المراحل.

الفاعل الأساسى هو، بصفة عامة، رئيس الدولة، وهو يرسم خطوط مشروع، ويحدد مَن هم أصدقاؤه/ حلفاؤه وأعداؤه، وتشخيصه للواقع المصري، وتصوره للمستقبل الذى يريده للبلد، ويختار القوى التى سيعتمد عليها ويدعمها، ويلاحظ، فى هذا الصدد، أن الدولة ليست كيانًا واحدًا، فكل وزارة، وكل إدارة، وكل جهاز له أدواته، ذاكرته، عقله الجمعي، أسلوبه، مصالحه، شبكاته الاجتماعية، ولا يمكن تصنيف كل مصالحه على أنها صالح عام.

الرؤساء عبد الناصر، والسادات، والسيسي، لديهم تصورات واضحة جدًّا عن ماهية الأعداء، تصورات موجودة منذ أول يوم، تطورت مع مرور الوقت، على حسب مواقف الفاعلين ومراحل الخطة الرئاسية. ويبدو لى أن كلًّا منهم له تصور عما يريده لمصر، مبارك اختلف عنهم فى كونه حاول لفترة طويلة تفادى تحديد هوية الأصدقاء والأعداء، ولم يحدد مشروعًا سوى «تحديث البنية»، والتصالح مع العالم العربي، دون تعريض السلام للخطر، وبعد حرب تحرير الكويت دعم القطاع الخاص. وللإنصاف، أقول للأجيال الشابة… ما حققه مبارك كثير وضروي… بعد سنوات الحرب كانت البنية التحتية منهارة انهيارًا تامًّا، ولكنه غير كافٍ. ويمكن أن يقال إن بعض خياراته أضرّت البلاد ضررًا جسيمًا، منها التساهل مع الفساد والإهمال.

ونظرًا لانتهاء مرحلة أول ثلاثة، فإنه من الممكن الحكم على مشروعهم وتقييم نجاحهم فى تحقيقه، الكل قطع شوطًا كبيرًا فى الدرب الذى اختاره، وأكثرهم توفيقًا كان السادات، رغم أن حكمه لم يستمرَّ طويلًا، مقارنة بسلفه وخلفه. وعندما أقول إنه نجح، أقصد أن الواقع الذى أوجده استمر بعده، وإقرارى بنجاحه النسبى لا يعنى أننى أحب هذا المشروع.

قد يستاء البعض من كلام عن «نجاح نسبى»، رغم نصر أكتوبر، وتحرير الأرض، وإخراج مصر من الفلك السوفيتي، والفهم المبكر لكون الإمبراطورية السوفيتية دخلت مرحلة الأفول، أستخدم كلمة «نسبى» لأنه يبدو أن هدف السادات كان الجمع بين تديين المجتمع وتمكين عقلية رجعية متزمتة طائفية، وتنظيم اقتصادى يؤسس نسخة مصرية من الاشتراكية الديمقراطية تشبه نموذج «صديقه» النمساوى المستشار كرايسكي…

من الجائز أن الكلام الكثير، أيامها، عن الاشتراكية الديمقراطية، كان للاستهلاك الدولى وضجيجًا بلا طِحن، ولكننى أتصور أن السادات كان جادًّا، وأيًّا كان الأمر فمن الواضح أن الكلام عن الاشتراكية الديمقراطية ذهب مع الريح.

وأتصور أن الناصريين سيوافقون على تشخيص يرى أن مشروع الرئيس ناصر لم يكتمل، وأن السادات تراجع عنه ودفنه.

هناك عدة مناهج وطرق لشرح الفشل النسبي، هناك من سيرى أن فكرة ضرورة وجود مشروع للرئيس فكرة مرفوضة وسيئة، ولا سيما لو اقتضت رسم إطار، وخط سير للمجتمع، لا يحيد عنه أحد، ولا يعترض عليه أحد، ولا تحاول استرضاء كل مكونات المجتمع المصري، وتعليقى سيكون… يُجمع الكل على وجوب التمييز بين الصالح العام والمصالح الخاصة، وعلى استحسان التخطيط للمستقبل وعلى وجود تهديدات جسيمة للأمن القومى المصري، وتحديد ماهية الصالح العام والتخطيط للمستقبل والتعامل مع التهديدات هى «مشروع»، وفى الواقع المصرى الحالى سيلقى أى مشروع مقاومة شديدة لا يمكن التغلب عليها ولا تهدئتها بالحوار. وفى المقابل، علينا أن نقول بوضوح إن القمع كالسرطان لا يمكن ضبطه ولا ترشيده إلا فى حدود ضيقة. هذه معضلة مصرية، حوار مستحيل، وقمع شديد الضرر.

ومن ثم لا أميل إلى رفض امتلاك كل رئيس لمشروع، ليس هذا هو سبب الفشل النسبي، علينا البحث فى ثلاثة اتجاهات، محتوى ومضمون المشروعات، تأييد الشعب وموقف مختلف الفاعلين المحليين والدوليين، ونوعية وكفاءة القائمين على تنفيذه، علمًا بأن المطلوب كفاءة متوسطة، فكلُّنا بشر.

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية

توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

7:14 ص, الأحد, 4 يونيو 23